فصل: النوع الثامن عشر: المعرفة بخزائن الكتب وأنواع العلوم والكتب المصنفة فيها وأسماء الرجال المبرزين في فنونها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقصد الثاني في بيان وجه استعمال الكاتب ذلك في خلال كلامه:

لا يخفى أن الكاتب إذا عرف أحوال المتقدمين وسيرهم، وأخبارهم، ومن يرع منهم، صار عنده علم بما لعله يسأل عنه، واعتداد لما يرد عليه من ذكر واقعة بعينها أو يحتج عليه به من صورة قديمة: ليكون على يقين منها، مع ما يحتاج إلى إيراده في خلال مكاتباته ورسائله: من ذكر من حسن الاحتجاج بذكره في أمر من الأمور أو حالة من الحالات، كما كتب به البديع الهمذاني إلى أبي الحسين بن فارس وقد بلغه أنه ذكر في مجلسه فقال: إن البديع قد نسي حق تعليمنا إياه، وعقنا، وشمخ بأنفه عنا، والحمد لله على فساد الزمان، وتغير نوع الإنسان؛ فكتب إليه: نعم أطال الله بقاء الشيخ الإمام، إنه الحمأ المسنون، وإن ظننت الظنون، والناس لآدم، وإن كان العهد قد تقادم، وارتكبت الأضداد، واختلط الميلاد، والشيخ يقول فسد الزمان، أفلا يقول متى كان صالحاً؟ أفي الدولة العباسية، وقد رأينا آخرها وسمعنا أولها؟ أم المدة المروانية، وفي أخبارها لا تكسع الشول بأغبارها؟ أم السنين الحربية، والسيف يغمد في الطلا، والرمح يركز في الكلا، وميت جحر في الفلا، والحرتان وكربلا؟ أم البيعة الهاشمية، وعلي يقول: ليت العشرة منكم برأس، من بني فراس؟ أم الأيام الأموية، والنفير إلى الحجاز، والعيون إلى الأعجاز؟ أم الإمارة العدوية، وصاحبها يقول: وهل بعد البزول إلا النزول؟ أم الخلافة التيمية، وصاحبها يقول: طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام؟ أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة، فقد ذهبت الأمانة؟ أم في الجاهلية ولبيد يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

أم قبل ذلك وأخو عاد يقول:
بلاد بها كنا وكنا نحبها ** إذ الناس والزمان زمان

أم قبل ذلك، ويروى لآدم عليه السلام:
تغيرت البلاد ومن عليها ** فوجه الأرض مسود قبيح!

أم قبل ذلك والملائكة تقول: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} وما فسد الناس، ولكن اطرد القياس، ولا ظلمت الأيام، إنما امتد الإظلام، وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح، ويمسي المرء إلا عن صباح؟ ولعمري! لئن كان كرم العهد كتاباً يرد وجواباً يصدر إنه لقريب المنال، وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه، على بقائه، منتسب إلى ولائه، شاكر لآلائه.
والغاية القصوى في ذلك ما كتب به ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون رحمه الله على لسان محبوبته ولادة بنت محمد بن عبد الرحمن الناصر إلى إنسان استمالها عنه إلى نفسه وهي: أما بعد أيها المصاب بعقله، المورط بجهله، البين سقطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش في الشهاب، فإن العجب أكذب، ومعرفة المرء نفسه أصوب؛ وإنك راسلتني مستهدياً من صلتي ما صفرت منه أيدي أمثالك، متصدياً من خلتي لما قدعت فيه أنوف أشكالك، مرسلاً خليلتك مرتادة، مستعملاً عشيقتك قواده، كاذباً نفسك في أنك ستنزل عنها إلي، وتخلف بعدها علي:
ولست بأول ذي همة ** دعته لما ليس بالنائل!

ولا شك أنها قلتك إذ لم تضن بك. وملتك إذ لم تغر عليك، فإنها أعذرت في السفارة لك، وما قصرت في النيابة عنك، زاعمة أن المروءة لفظ أنت معناه، والإنسانية اسم أنت جسمه وهولاه، قاطعة أنك انفردت بالجمال، واستأثرت بالكمال واستعليتن في مراتب الخلال، حتى خيلت أن يوسف عليه السلام حاسنك فغضضت منه، وأن امرأة العزيز رأتك فسلت عنه وأن قارون أصاب بعض ما كنزت، والنطف عثر على فضل ما ركزت، وكسرى حمل غاشيتك، وقيصر رعى ماشيتك والإسكندر قتل دارا في طاعتك، وأردشير جاهد ملوك الطوائف بخورجهم عن جماعتك، والضحاك استدعى مسالمتك وجذيمة الأبرش تمنى منادمتك، وشيرين قد نافست بوران فيك، وبلقيس غايرت الزباء عليك، وأن مالك بن نويرة إنما أردف لك، وعروة بن جعفر إنما رحل إليك، وكليب بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزتك، وجساساً إنما قتله بأنفتك، ومهلهلاً إنما طلب ثأره بهمتك، والسمؤل إنما وفى عن عهدك، والأحنف إنما اجتبى في بردك، وحاتماً إنما جاد بوفرك، ولقي الأضياف ببشرك، وزيد بن مهلهل إنما ركب بفخذيك، والسليك بن السلكة إنما عدا على رجليك، وعامر بن مالك إنما لاعب الأسنة بيديك، وقيس بن زهير إنما استعان بدهائك، وإياس بن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائك، وسحبان وائل إنما تكلم بلسانك، وعمرو بن الأهتم إنما سحر ببيانك، وأن الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك، والحمالات في دماء عبس وذبيان أسندت إلى كفالتك، وأن احتيال هرم لعامر وعلقمة حتى رضيا كان عن إشارتك، وجوابه لعمر، وقد سأله عن أيهما كان ينفر وقع بعد مشورتك، وأن الحجاج تقلد ولاية العراق بجدك، وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك، والمهلب أوهن شوكة الأزارقة بأيدك، وأفسد ذات بينهم بكيدك، وأن هرمس أعطى بيلينوس ما أخذ منك، وأفلاطون أورد على أرسطا طاليس ما حدث عنك، وبطليموس سوى الإصطراب بتدبيرك، وصور الكرة على تقديرك، وأبقراط علم العلل والأمراض بلطف حسك، وجالينوس عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك، وكلاهما قلدك في العلاج، وسألك عن المزاج، واستوصفك تركيب الأعضاء، واستشارك في الداء والدواء، وأنك نبحت لأبي معشر طريق الفضاء، وأظهرت جابر بن حيان على سر الكيمياء، وأعطيت النظام أصلاً أدرك به الحقائق، وجعلت للكندي رسماً استخرج به الدقائق، وأن صناعة الألحان اختراعك، وتأليف الأنقار توليدك وابتداعك، وأن عبد الحميد بن يحيى باري أقلامك، وسهل بن هارون مدون كلامك، وعمرو بن بحر مستمليك، ومالك بن أنس مستفتيك، وأنت الذي أقام البراهين، ووضع القوانين، وحد الماهية، وبين الكيفية والكمية، وناظر في الجوهر والعرض، وميز الصحة من المرض، وحل المعمى، وفصل بين الاسم والمسمى، وضرب وقسم، وعدل وقوم، وصنف الأسماء والأفعال، وبوب الظرف والحال، وبنى وأعرب، ونفى وتعجب، ووصل وقطع، وثنى وجمع، وأظهر وأضمر، وابتدأ وأخبر، واستفهم وأهمل، وقيد وأرسل، وأسند وبحث ونظر، وتصفح الأديان، ورجح بين مذهبي ماني وغيلان، وأشار بذبح الجعد، وقتل بشار بن برد، وأنك لو شئت خرقت العادات، وخالفت المعهودات، فأحلت البحار عذبة، وأعدت السلام رطبة، ونقلت غداً فصار أمساً، وزدت في العناصر فكانت خمساً، وأنك المقول فيك كل الصيد في جوف الفرا، والمقول فيك:
ليس على الله بمستنكر ** أن يجمع العالم في واحد

والمعنى بقول أبي تمام:
فلو صورت نفسك لم تزدها ** على ما فيك من كرم الطباع

والمراد بقول أبي الطيب:
ذكر الأنام لنا فكان قصيدة ** كنت البديع الفرد من أبياتها

فكدمت في غير مكدم، واستسمنت ذا ورم، ونفخت في غير ضرم، ولم تجد لرمح هزاً، ولا لشفرة مجزاً، بل رضيت من الغنيمة بالإياب، وتمنت الرجوع بخفي حنين، لأني قلت لها:
لقد ذل من بالت عليه الثعالب

وأنشدت:
على أنها الأيام قد صرن كلها ** عجائب حتى ليس فيها عجائب

ونخرت وكفرت، وعبست وبسرت، وأبدأت وأعدت، وأبرقت وأرعدت، وهممت ولم أفعل، وكذت وليتني، ولولا أن للجوار ذمة، وللضيافة حرمة، لكان الجواب في قذال الدمستق، والنعل حاضرة إن عادت العقرب، والعقوبة ممكنة إن أصر المذنب؛ وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك ملوها حبيبها وحسن فيها من تود، وكانت إنما حلتك بحلاك، ووسمتك بسيماك، ولم تعرك شهادة، ولا تكلفت لك زيادة، بل صدقت سن بكرها فيما ذكرته عنك، ووضعت الهناء مواضع النقب فيما نسبته إليك، ولم تكن كاذبة فيما أثنت به عليك، فالمعيدي تسمع به خير من أن تراه، هجين القذال، أرعن السبال، طويل العنق والعلاوة، مفرط الحمق والغباوة، جافي الطبع، سيئ الإجابة والسمع، بغيض الهيئة، سخيف الذهاب والجيئة، ظاهر الوسواس، منتن الأنفاس، كثير المعايب، مشهور المثالب، كلامك تمتمة، وحديثك غمغمة، وبيانك فهفهة، وضحكك قهقهة، ومشيك هرولة، وغناك مسألة، ودينك زندقة، وعلمك مخرقة:
مساو لو قسمن على الغواني ** لما أمهرن إلا بالطلاق

حتى إن باقلاً موصوف بالبلاغة إذا قرن بك، وهبنقة مستحق لاسم العقل إذا أضيف إليك، وأبا غبشان محمود منه سداد الفعل إذا نسب إليك، وطويساً مأثور عنه يمن الطائر إذا قيس عليك، فوجودك عدم، والاعتناء بك ندم، والخيبة منك ظفر، والجنة معك سقر، كيف رأيت لومك لكرمي كفاء! وضعتك لشرفي وفاء! وأني جهلت أن الأشياء إنما تنجذب إلى أشكالها، والطير إنما تقع على آلافخها، وهلا علمت أن الشرق والغرب لا يجتمعان، وشعر أن نازي المؤمن والكافر لا تتراءيان، وقلت الخبيث والطيب لا يستويان، وتمثلت:
عمرك الله كيف يلتقيان

وذكرت أني علق لا يباع ممن زاد، وطائر لا يصيده من أراد، وغرض لا يصيبه إلا من أجاد، فما أحسبك إلا قد كنت تهيأت للتهنية، وترشحت للترفية، لولا أن جرح العجماء جبار للقيت ما لقي من الكواعب يسار، فماغ هم إلا بدن ما هممت به، ولا تعرض إلا لأيسر مما تعرضت له؛ أين أدعاؤك رواية الأشعار، وتعاطيك حفظ السير والأخبار؛ أما ثاب لك قول الشاعر:
بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع ** وتنكح في أكفائها الحبطات

وهلا غشيت ولم تغترن وما أمنك أن تكون وافد البراجم، أو ترجع بصحيفة المتلمس، أو أفعل بك ما فعله عقيل بن علفة بالجهني الذي جاء خاطباً، فدهن استه بزيت وأدناه من قرية النمل؛ ومتى كثر تلاقينا، واتصل ترائينا؟ فيدعوني إليك ما دعا ابنة الخس إلى عبدها من طول السواد، وقرب الوساد؛ وهل فقدت الأراقم فأنكح في جنب أو عضلني همام بن مرة، فأقول زوج من عود، خير من قعود، ولعمري لو بلغت هذا المبلغ لارتفعت عن هذه الحطة، وما رضيت بهذه الخطة، فالنار ولا العار، والمنية ولا الدنية، والحرة تجوع ولا تأكل بثدييها:
فكيف وفي أبناء قومي منكح ** وفتيان هزان الطوال الغرانقة

ما كنت لأتخطى المسك إلى الرماد، ولا أمتطي الثور دون الجواد، وإنما يتيمم من لا يجد ماء، ويرعى الهشيم، من عدم الجيم، ويركب الصعب من لا ذلول له؛ ولعلك إنما غرك من علمت صبوتي إليه، وشهرت مساعفتي له من أقمار العصر، ورياحين المصر، الذين هم الكواكب علوهمم، والرياض طيب شيم:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم

فحن قدح ليس منها، ما أنت وهم؟ وأين تقع منهم؟ وهل أنت إلا واو عمرو فيهم؟ وكالوشيظة في العظم بينهم؛ وإن كنت إنما بلغت قعر تأبوتك، وتجافيت لقميصك عن بعض قوتك، وعطرت اردانك، وجررت هميانك، واختلت في مشيك، وحذفت فضول لحيتك، وأصلحت شاربك، ومططت حاجبك، ورققت خط عذارك، واستأنفت عقد إزارك، رجاءئ الاكتنان فيهم، وطمعاً في الاعتداد منهم، فظننت عجزاً، وأخطأت استك الحفرة؛ والله لو كساك محرق البردين، وحلتك مارية بالقرطين، وقلدك عمرو الصمصامة، وحملك الحارث على النعامة، ما شككت فيك، ولا تكلمت بملء فيك، ولا سترت إياك، ولا كنت إلا ذاك. وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب، وجاريتهم في غاية الظرف والأدب، ألست تأوي إلى بسيت قعيدته لكاع، إذ كلهم عزب خالي الذراع، وأين من أنفرد به ممن لا غلب إلا على الأقل الأخس منه! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة، والشهوة الوافرة، والنفس المصروفة إلي، واللذة الموقوفة علي، وبين آخر قد نزحت بيره، ونضب غديره، وذهب نشاطه، ولم يبق إلا ضراطه. وهل كان يجتمع لي فيك إلا الحشف وسوء الكلية ويقترن علي بك إلا الغدة والموت في بيت سلولية:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ** أذل الحارص أعناق الرجال

ما كان أخلقك بأن تقدر بذرعك، وتربع بذلك على ظلعك، ولا تكون براقش الدالة على أهلها، وعنز السوء المستثيرة لحتفها؛ فما أراك إلا قد سقط العشاء بك على سرحان، وبك لا بظبي أعفر؛ قد أعلمت إن أغنيت شياً، وأسمعت لو ناديت حياً، وقرعت عصا العتاب وحذرت سوء العقاب:
إن العصا قرعت لذي الحلم ** والشيء تحقره وقد ينمي

فإن بادرت بالندامة، ورجعت على نفسك بالملامة، كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك؛ وإن قلت جعجة ولا طحن، فرب صلف تحت الراعدة، وأنشدت:
لا يوئسنك من مخدرة ** قول تغلظه وإن حرجا

فعدت لما نهيت عنه، وراجعت ما استعفيت منه، بعثت من يزعجك إلى الخضراء دفعاً، ويستحثك نحوها وكزاً وصفعاً، فذا صرت إليها عبثت أكاروها بك، وتسلط نواطيرها عليك: فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك، ومن فجلة منتنة ترمى بها تحت خصاك، ذلك بما قدمت يداك، ولكي تذوق وبال أمرك، وترى ميزان قدرك:
فمن جهلت نفسه قدره ** رأى غيره منه ما لا يرى

فلولا المعرفة بالتاريخ، والإحاطة بالوقائع والسير، والأقاصيص، والأمثال السائرة في معنى ذلك، لما تأتى للناثر الاقتدار على سبك هذه الوقائع، والتلويح بمقتضياتها.

.النوع الثامن عشر: المعرفة بخزائن الكتب وأنواع العلوم والكتب المصنفة فيها وأسماء الرجال المبرزين في فنونها:

وفيه مقصدان:
المقصد الأول في ذكر خزائن الكتب المشهورة:
قد كان للخلفاء والملوك في القديم بها مزيد اهتمام، وكما اعتناء، حتى حصلوا منها على العدد الجم، وحصلوا على الخزائن الجليلة. ويقال إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن: إحدها: خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد فكان فيها من الكتب ما لا يحصى كثرة، ولا يقوم عليه نفاسة، ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد، وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد، فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب، وذهبت معالمها، وأعفيت آثارها.
الثانية خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر وكانت من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعاً للكتب النفيسة من جميع العلوم على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب مملكة الديار المصرية في المقالة الثانية. ومل تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولهم بموت العاضد آخر خلفائهم، واستيلاء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على المملكة بعدهم، فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة، ووقفها بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة، فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق منها إلا القليل.
الثالثة خزانة خلفاء بني أمية بالأندلس؛ وكانت من أجل خزائن الكتب أيضاً. ولم تزل إلى انقراض دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس، فذهبت كتبها كل مذهب.
أما الآن فقد قلت عناية الملوك بخزائن الكتب، واكتفاء بخزائن كتب المدارس التي ابتنوها من حيث إنها بذلك أمس.
واعلم أن الكتب المصنفة أكثر من أن تحصى، وأجل من أن تحصر، لا سيما الكتب المصنفة في الملة الإسلامية فإنها لم يصنف مثلها في ملة من الملل، ولا قام بنظرها أمة من الأمم؛ إلا أن منها كتباً مشهورة قد توفرت الدواعي على نقلها، والإكثار من نسخها، وطارت سمعتها في الآفاق ورغب في اقتنائها.
المقصد الثاني في ذكر العلوم المتداولة بين العلماء والمشهور من الكتب المصنفة فيها ومؤلفيهم:
ويرجع المقصد فيها إلى سبعة أصول، يتفرع عنها أربعة وخمسون علماً:
الأصل الأول علم الأدب؛ وفيه عشرة علوم الأول:
علم اللفة: من الكتب المختصرة فيه المنتخب، والمجرد لكراع، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وفقه اللغة للثعالبي، والفصيح لثعلب، وكفاية المتحفظ لابن الأحدابي، والألفية لأبن إصبع. ومن المتوسطة فيه المجمل لابن فارس، وديوان الأدب للفارابي، وإصلاح المنطق لابن السكيت. ومن المبسوطة الجامع للأزهري والعباب الزاخر للصاغاني، والصحاح للجوهري. قال في إرشاد القاصد: ولا أنفع ولا أجمع من المحكم لابن سيده.
الثاني علم التصرف: من الكتب المختصرة فيه التصريف الملوكي لابن جني والتعريف لابن مالك. ومن المتوسطة تصريف ابن الحاجب، وهو من أحسن الكتب الموضوعة فيه وأجمعها. ومن المبسوطة فيه الممتع لابن عصفور، وشروح تصريف ابن الحاجب وغيره.
الثالث علم النحو: من الكتب المختصرة فيه الكافية لابن الحاجب، والدرة الألفية لابن معطي، والخلاصة لابن مالك. ومن المتوسطة المفصل للزمخشري والمقرب لابن عصفور، والكافية الشافية لابن مالك، وتسهيل الفوائد له وهو الجامع على شدة اختصاره. ومن المبسوطة كتاب سيبويه وشروحه، وشرح ابن قاسم على الألفية، وشرحه على التسهيل، وشرح شهاب الدين السمين عليه، وأوسع الكل شرح الشيخ أثير الدين أبي حيان على التسهيل.
الرابع علم المعاني: من الكتب المنفردة فيه مصنف تميثم الحربى، وهو عزيز الوجود.
الخامس علم البيان: من الكتب المنفردة به كتاب نهاية الإعجاز للإمام فخر الدين الرازي، والجامع الكبير لابن الأثير الجزري.
السادس علم البديع: من الكتب المنفردة به المختصرة فيه زهر الربيع للمطرزي. ومن المتوسطة فيه البديع للتيفاشي، وشرح البديعية للصفي الحلي. ومن المبسوطة كتاب التحبير لابن الأصبع.
تنبيه، ومن الكتب المشتملة على علوم المعاني والبيان والبديع روض الأزهار لابن مالك، والإيضاح لابن مالك، وأعظمها شهرة بالديار المصرية تلخيص المفتاح لقاضي القضاة جلال الدين القزويني وعليه عدة شروح، منها شرح الخلخالي، وشرح الشيخ أكمل الدين، وشرح الشيخ بهاء الدين السبكي، وهو من أجل شروحه، والمعول عليه منها شرح الشيخ سعد الدين التفتازاني.
السابع علم العروض: من الكتب المختصرة فيه عروض ابن مالك؛ ولابن الحاجب فيه لأمية كافية، اعتنى الناس بشرحها، وممن شرحها الشيخ جمال الدين بن واصل، والشيخ جمال الدين الأسنوي. وللساوي لأمية ضاهى فيها ابن الحاجب، وللإمام القزويني عليها شرح حسن، وللأيكي فيه مختصر بديع، وللجوهري فيه مختصر. ومن المتوسطة فيه عروض ابن القطاع، وابن الخطيب التبريزي. ومن المبسوطة كتاب الأمين المحلي، وعروض الأستاذ أبي الحسن العروضي المعروف بأستاذ المقتدر. وقد نظم فيه صاحبنا شعبان الآثاري محتسب مصر ألفية فائقة سماها هداية الضليل إلى علم الخليل جمع فيها فأوعى.
الثامن علم القوافي: من الكتب المختصرة فيها قوافي الأيكي، ومن المتوسطة قوافي ابن القطاع، ومن المبسوطة قوافي ابن سيده.
التاسع علم قوانين الخط: في أصول الخط ألفية لشعبان الآثاري، ولابن الحسين كتاب في قلم الثلث، ولابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام مصنف في قلم النسخ، وفي صناعة الهجاء المختصة بالقرآن الرائية للشاطبي، وفي خلال كتب النحو الجامعة كالتسهيل وغيره جملة من الهجاء، وقد أودعت في هذا الكتاب ما فيه كفاية من ذلك.
العاشر قوانين القراءة: فيه كتاب التنبيه لأبي عمرو الداني.
الأصل الثاني العلوم الشرعية؛ وفيه تسعة علوم:
الأول علم النواميس المتعلق بالنبوات، وفيه كتاب لأرسطاطاليس، وكتاب لأفلاطون، وأكثر مسائله في كتاب المدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي، وفي آخر الطوالع والمصباح للبيضاوي مسائل من ذلك.
الثاني علم القراءات: من الكتب المختصرة فيه التيسير لأبي عمرو الداني، ونظمه الشاطبي في قصيدته التي وسمها بحرز الأماني، فأغنت عما سواها من كتب القراءات واعتنى الناس بشرحها، ولابن مالك دالية بديعة في علم القراءات لكنها لم تشتهر. ومن الكتب المبسوطة فيه كتاب الروضة في القراءات، وشروح الشاطبية كالفاسي وغيره.
الثالث علم التفسير: من الكتب المختصرة فيه زاد المسير لابن الجوزي، والوجيز للواحدي، والنهري لأبي حيان. ومن المتوسطة فيه الوسيط للواحدي والكشاف للزمخشري، ومعالم التنزيل للبغوي. ومن المبسوطة البسيط للواحدي، وتفسير القرطبي، وتفسير الإمام فخر الدين، والبحر المحيط لأبي حيان.
واعلم أن كل واحد من المفسرين قد غلب عليه فن من الفنون يميل إليه في تفسيره، فالتيفاشي تغلب عليه القصص، وابن عطية تغلب عليه العربية، وابن عطية تغلب عليه أحكام الفقه، والزجاج تغلب عليه المعاني وغير ذلك.
الرابع علم رواية الحديث: أضبط الكتب المصنفة فيه وأصلحها رواية صحيح البخاري، وصحيح مسلم رضي الله عنهما، وبعدهما بقية كتب السنن المشهورة: كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني. والمسندات المشهورة كمسند أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار ونحوها.
ومن كتب السير السيرة لابن هشام، وزهر الخمائل لابن سيد الناس. ومن الكتب المبسوطة المشتملة على متون الأحاديث دون الرواة جامع الأصول لابن الأثير. ومن المتوسطة الجمع في ذلك الجمع بين الصحيحين للحميدي، ومختصر جامع الأصول لمصنفه. ومن المختصرة فيما يتعلق بالأحكام، الإلمام بأحاديث الأحكام، للشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد، وعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي.
ومما يتعلق بالترغيب والترهيب رياض الصالحين للنووي. ومما يتعلق بالأدعية كتاب الأذكار له، وسلاح المؤمن لابن الإمام. إلى غير ذلك من أنواع المصنفات المختلفة المقاصد مما لا يحصى كثرة.
الخامس علم دارية الحديث: من الكتب الموصلة للدخول في ذلك علوم الحديث لابن الصلاح، وتقريب التيسير للنووي، وعلم الحديث للحاكم، والكافية للخطيب أبي بكر، وفي أول جامع الأصول المقدم ذكره في كتب رواية الحديث قطعة من ذلك. ومن الكتب المبسوطة في أسماء الرجال الكمال. ومن الكتب المبسوطة في معاني الحديث شرح البخاري لابن بطال، وشرحه لابن التين المغربي، وشرحه لمغلطاي، وشرحه للكرماني، وشرحه لشيخنا سراج الدين بن الملقن، وشرح مسلم للقاضي عياض، وشرحه للشيخ محي الدين النووي، وشرح سنن أبي داود للخاطبي، وشرح العمدة للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وشرحها للشيخ تاج الدين الفاكهاني.
ومن الكتب في غريب الحديث كتاب الغريبين للهروي، والنهاية لأبي السعادات بن الأثير، وغير ذلك من سائر الأنواع.
السادس علم أصول الدين: من الكتب المختصرة فيه الطوالع للقاضي ناصر الدين البيضاوي، والمصباح له، وقواعد العقائد للخواجا نصير الدين الطوسي، وكتاب الأربعين للقاضي جمال الدين بن واصل. ومن المتوسطة المحصل للإمام فخر الدين، والصحائف للسمرقندي، وشرح الطوالع للسيد العبري، وشرحها للشيخ عز الدين الأصفهاني.
السابع علم أصول الفقه: من الكتب المختصرة فيه مختصر ابن الحاجب، ومنهاج البيضاوي، والتنقيح للقرافي، والقواعد لابن الساعاتي. ومن المتوسطة فيه التحصيل للأرموي. ومن المبسوطة فيه الأحكام للآمدي، والمحصول للإمام فخر الدين، وشروح مختصر ابن الحاجب: كشرح القطب الشيرازي، وشرحي المسيلي، وشرح الشيخ شمس الدين الأصفهاني، وأتقن شرح عليه للعضد، وكشرح منهاج البيضاوي لابن المطهر، وشرحه للشيخ جمال الدين الأسنوي، وغير ذلك؛ وكشرح التنقيح لمصنفه.
الثامن علم الجدل: من الكتب المختصرة فيه المغني للأبهري، والفصول للنسفي والخلاصة للمراغي، والمعونة لأبي إسحاق الشيرازي، ومن المتوسطة فيه النفائس للعميدي، والوسائل للأرموي ومن المبسوطة تهذيب النكث للأبهري.
التاسع علم الفقه: من كتب الشافعية المختصرة مختصر المزني، ومختصر البوطي والوجيز للغزالي، والتنبيه لأبي إسحاق الشيرازي، والمحرر للرافعي، والمنهاج للنووي والحاوي الصغير لعبد الغفار القزويني، والعجاب، وجامع المختصرات، ومختصر الجوامع للشيخ كمال الدين الشيباني. ومن المتوسطة المهذب لأبي إسحاق الشيرازي، والوسيط للغزالي، والشرح الصغير للرافعي، والروضة للنووي، والجواهر للقمولي، وأجمعها على اختصار المنتقى للشيخ كمال الدين الشيباني. ومن المبسوطة الأم للإمام الشافعي، والحاوي للماوردي، والبحر للروياني، والنهاية لإمام الحرمين، والبسيط للغزالي، والشامل لابن الصباغ، والتتمة للمتولي، والعدة لأبي المكارم الروياني والشرح الكبير على الوجيز للرافعي، وشرح المهذب للنووي انتهى فيه إلى أثناء الربا، ولو كمل لأغنى عن جل كتب المذهب، والكفاية في شرح التنبيه لابن الرفعة، والمطلب في شرح الوسيط له، والبحر المحيط في شرح الوسيط للقمولي. ومن محاسنها المهمات على الرافعي، والروضة للشيخ جمال الدين الأسنوي.
ومن كتب الحنفية المختصرة البداية، والنافع، والكنز، ومجمع البحرين، ومختار الفتوى. ومن المتوسطة الهداية. ومن المبسوطة المحيط والمبسوط، والتحرير والجامع الكبير وغير ذلك.
ومن كتب المالكية المختصرة التلقين للقاضي عبد الوهاب، ومختصر ابن الجلاب، ومختصر ابن الحاجب. ومن نفيس المختصرات فيها مختصر الشيخ خليل المالكي، حذا فيه قريباً من حذو جامع المختصرات. ومن المتوسطة التهذيب للبرادعي والجواهر لابن شاس، ونظم الدر للشارمساجي. ومن المبسوطة النوادر لابن أبي زيد، والبيان والتحصيل، وكتاب ابن يونس، وشرح التلقين للمازري، وليس بكامل، والذخيرة للقرافي. ومن كتب الحنابلة المختصرة مختصر الحذقي، والنهاية الصغرى لابن رزين. ومن المتوسطة المقنع، والكافي. ومن المبسوطة المغني لابن قدامة.
ومن كتب الخلاف في المذاهب الأربعة الاختلاف والجمع لابن هبيرة الحنبلي. ومن المشتمل على مذاهب السلف الإشراف لابن المنذر.
الأصل الثالث: العلم الطبيعي، وفيه اثنا عشر علماً:
الأول: علم الطب: من الكتب المختصرة فيه الموجز لابن النفيس، والفصول لأبقراط. ومن المتوسطة المختار لابن هبل، والمائة للمسيحي، والشافي لابن القف. ومن المبسوطة كامل الصناعة المعروف بالملكي، والقانون للرئيس أبي علي بن سينا وهو الذي أخرج الطب من التلفيق إلى التهذيب والترتيب، وهو أجمع الكتب وأبلغها لفظاً وأحسنها تصنيفاً.
الثاني علم البيطرة: من الكتب المصنفة فيه كتاب حنين بن إسحاق.
الثالث علم البيزرة: من الكتب المصنفة فيه كتاب القانون الواضح وفي كتاب العلاجين لابن العوام جملة كافية من البيطرة والبيزرة.
الرابع علم الفراسة: من الكتب المصنفة فيه كتاب أرسطاطاليس وكتاب الفراسة للإمام فخر الدين الرازي، ولفيلن فيه كتاب مختص بالتفرس في النساء.
الخامس علم تعبير الرؤيا: من الكتب المختصرة فيه فوائد الفرائد لابن الدقاق، وتعبير الحنبلي المرتب على حروف المعجم. ومن المتوسطة فيه شرح البدر المنير للحنبلي. ومن المبسوطة فيه تأليف أبي سهل المسيحي، والبشرى في شرح كتاب الكرماني.
السادس علم أحكام النجوم: من الكتب المختصرة فيه مجمل الأصول لكوشيار، والجامع الصغير لمحي الدين المغربي. ومن المتوسطة كتاب التاريخ والمغني لابن هنبتا. ومن المبسوطة مجموع ابن سريج. ومن الكتب المنفردة ببعض أجزائه الأدوار لأبي معشر، والإرشاد لأبي الريحان البيروني، والمواليد للخصيبي، والتحاويل للسحرتي، والمسائل للقيصراني، ودرج الفلك لسكوشا. ومن المدخل إليه مدخل القبيصي، والتفهيم للبيروني مدخل إلى هذا الفن، وفيه ما يحتاج إليه من الرياض أيضاً.
السابع علم السحر. وعلم الحرف والأوفاق: ومن كتب السحر المعتبرة في بعض طرائقه السر المكتوم المنسوب للإمام فخر الدين، وكتاب الجمهرة للخوارزمي وكتاب طيمارس لأرسطاطاليس، وفي غاية الحكم للمجريطي فصول كافية في بعض طرقه أيضاً.
ومن كتب علم الحرف كتاب لطائف الإشارات للبوني، وشمس المعارف له، وهو عزيز الوجود، وفي النسخ المعتبرة من اللمعة النورانية للبوني قطعة كافية منه.
الثامن علم الطلسمات: في كتاب طبتانا الذي نقله ابن وحشية عن النبط أنموذج لعمل الطلسمات ومدخل إلى علمها، وفي غاية الحكم للمجريطي قواعد هذا العلم. قال في إرشاد القاصد إلا أنه ضن بالتعليم كل الضن، ولأبي يعقوب السكاسكي فيه كتاب جليل القدر.
التاسع علم السيميا: رأيت فيه كتباً مجهولة المصنفين.
العاشر علم اليكيماء: من الكتب المطولة فيه كتب جابر بن حيان. قال في إرشاد القاصد: وأمثل كتب الإسلاميين في ذلك التذكرة لابن كمونه، ورتبة الحكيم للمجريطي، وشرح الفصول لعون بن المنذر. ومن النظم الرائق فيه نظم الشذوري.
الحادي عشر علم الفلاحة: من الكتب المختصرة فيه الفلاحة المصرية. ومن المبسوطة فيه الفلاحة النبطية، ترجمة أبي بكر بن وحشية.
الثاني عشر علم ضرب الرمل: من الكتب المصنفة فيه تجارب العرب، وفي مثلثات ابن محقق حصر صوره.
تنبيه: لأرسطاطاليس ثمانية كتب في الطبيعي يختص كل كتاب منها بجزء جردها ابن سينا في مختصر ترجمه بالمقتضيات، ولخصها أبو الوليد بن رشد تلخيصاً مفيداً، والمتأخرون جمعوا في غالب كتبهم بينه وبين الإلهي في التصنيف كما في الطوالع والمصباح للبيضاوي.
الأصل الرابع علم الهندسة، وفيه عشرة علوم:
الأول علم عقود الأبنية: من الكتب المصنفة فيه مصنف لابن الهيثم، ومصنف للكرخي.
الثاني علم المناظر: من الكتب المختصرة فيه كتاب اقليدس. ومن المتوسطة كتاب علي بن عيسى الوزير. ومن المبسوطة كتاب ابن الهيثم.
الثالث علم المرايا المحرقة: من الكتب المصنفة فيه كتاب لابن الهيثم.
الرابع علم مراكز الأثقال: من الكتب المعتبرة فيه كتاب ابن الهيثم، وفيه كتاب لأبي سهل الكوهي.
الخامس علم المساحة: من الكتب المختصرة فيه كتاب ابن مجلي الموصلي. ومن المتوسطة كتاب ابن المختار. ومن المبسوطة، كتاب أرشميدس.
السادس علم إنباط المياه: للكرخي فيه مختصر جليل، وفي خلال الفلاحة النبطية لابن وحشية مهمات هذا العلم.
السابع علم جر الأثقال: فيه كتاب لفيلن.
الثامن علم البنكامات: فيه كتاب لأرشميدس عمدة في بابه.
التاسع علم الآلات الحربية: فيه كتاب لبني موسى بن شاكر.
العاشر علم الآلات الروحانية: أشهر كتبه الكتاب المعروف بحيل بني موسى، وفيه كتاب مختصر لفيلن، وكتاب مبسوط للبديع الجزري.
الأصل الخامس علم الهيئة، وفيه خمسة علوم:
الأول علم الزيجات: قال في إرشاد القاصد: أقرب الزيجات عهداً بالرصد الزيج العلائي. قال وأهل مصر في زماننا إنما يقيمون دفتر السنة من زيج لفقوه من عدة أزياج ولقبوه بالمصطلح؛ وأتم الزيجات في زماننا الذي نحن فيه زيج الشيخ علاء الدين بن الشاطر الدمشقي، وهو عزيز الوجود لم ينتشر ولم تكثر نسخه بعد.
الثاني علم المواقيت: من الكتب المختصرة فيه نفائس اليواقيت في علم المواقيت. ومن المبسوطة جامع المبادي والغايات لأبي علي المراكشي.
الثالث علم كيفية الأرصاد: من الكتب المعتبرة فيه كتاب الأرصاد لابن الهيثم، وكتاب الآلات العجيبة للحارثي يشتمل عليه.
الرابع علم تسطيح الكرة: من الكتب القديمة فيه كتاب تسطيح الكرة. لبطليموس. ومن الكتب المحدثة فيه الكامل للفرغاني، والاستيعاب للبيروني، وآلات التقويم للمراكشي.
الخامس علم الآلات الظلية: فيه عدة مصنفات، ولإبراهيم بن سنان الحراني فيه كتاب مبرهن.
الأصل السادس علم العدد المعروف بالارتماطيقي وفيه خمسة علوم:
الأول علم الحساب المفتوح: من الكتب المختصرة فيه مختصر ابن مجلي الموصلي ومختصر ابن فلوس المارديني، ومختصر السموأل بن يحيى المغربي. ومن المتوسطة الكافي للكرخي. ومن المبسوطة الكامل لأبي القاسم بن السمح.
الثاني علم حساب التخت والميل: من الكتب المصنفة فيه على طريق الهندي كتب معدة، ومن الكتب المصنفة فيه على طريق الغبار كتاب الحصار، وكتاب المدخل وغيرهما.
الثالث علم الجبر والمقابلة: من الكتب المختصرة فيه نصاب الجبر لابن فلوس المارديني، والمفيد لابن مجلي الموصلي. ومن المتوسطة فيه كتاب المظفر الطوسي. ومن المبسوطة جامع الأصول لابن المجلي، والكامل لأبي شجاع بن أسلم.
الرابع علم حساب الخطأين: وفيه من الكتب الجامعة كتاب لزين الدين المعري.
الخامس علم حساب الدور والوصايا: ومن الكتب المصنفة فيه كتاب لأفضل الدين الحويحي.
الأصل السابع العلوم العملية وفيه ثلاثة علوم:
الأول علم السياسة: ومن الكتب المصنفة فيه كتاب السياسة لأرسطاطاليس الذي ألفه للإسكندر، وكتاب المدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي، وللشيخ تقي الدين بن تيمية كتاب حسن في السياسة الشرعية.
الثاني علم الأخلاق: ومن الكتب المختصرة فيه، كتاب للشيخ أبي علي بن سينا. ومن المتوسطة كتاب الفوز لأبي علي بن مسكويه ومن المبسوطة كتاب للإمام فخر الدين الرازي.
الثالث علم تدبير المنزل: ويحصل الانتفاع فيها بالاطلاع على السير الفاضلة المحمودة للملوك وغيرهم، ولا أنفع من السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
فإذا عرف الكاتب هذه العلوم والفنون وما صنف فيها من الكتب، أمكنه التصرف فيها في كتابه بذكر علم نبيل لمساواته أو التفضيل عليه، وذكر كتاب مصنف في ذلك حيث تدعو الحاجة إلى ذكره: كما وقع لي في تقريظ مولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن، ابن سيدنا شيخ الإسلام أبي حفص عمر البلقيني الكناني الشافعي، إن تكلم في الفقه فكأنما بلسان الشافعي تكلم، والربيع عنه يروي، والمزني منه يتعلم، أو خاض في أصول الفقه قال الغزالي هذا هو الإمام باتفاق، وقطع السيف الآمدي بأنه المقدم في هذا الفن على الإطلاق، أو جرى في التفسير قال الواحدي هذا هو العالم الأوحد، وأعطاه ابن عطية صفقة يده بأن مثله في التفسير لا يوجد، واعترف له صاحب الكشاف بالكشف عن الغوامض، وقال الإمام فخر الدين هذه مفاتيح الغيب وأسرار التنزيل فارتفع الخلاف واندفع المعارض، أو أخذ في القراءات والرسم أزرى بأبي عمرو الداني، وعدا شأو الشاطبي في الرائية وتقدمه في حرز الأماني، أو تحدث في الحديث شهد له السفيانان بعلو الرتبة في الرواية، واعترف له ابن معين في التبريز والتقدم في الدراية؛ وهتف الخطيب البغدادي بذكره على المنابر، وقال ابن الصلاح لمثل هذه الفوائد تتعين الرحلة، وفي تحصيلها تنفد المحابر؛ أو أبدى في أصول الدين نظراً تعلق منه أبو الحسن الأشعري بأوفى زمام، وسد باب الكلام على المعتزلة حتى يقول عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ليتنا لم نفتح باباً في الكلام؛ أو دقق النظر في المنطق بهر الأبهري في مناظرته، وكتب الكاشي وثيقة على نفسه بالعجز عن مقاومته؛ أو ألم بالجدل رمى الأرمومي نفسه بين يديه، وجعل العميدي عمدته في آداب البحث عليه، أو بسط في اللغة لسانه اعترف له ابن سيده بالسيادة، وأقر بالعجز لديه الجوهري وجلس ابن فارس بين يديه مجلس الاستفادة؛ أو نحا إلى النحو والتصريف أربى فيه على سيبويه، وصرف الكسائي له عزمه فسار من البعد إليه، أو وضع أنموذجاً في علوم البلاغة، وقف عنده الجرجاني، ولم يتعد حده ابن أبي الأصبع ولم يجاوز وضعه الرماني، أو روى أشعار العرب، أزرى بالأصمعي في حفظه، وفاق أبا عبيدة في كثرة روايته وغزير لفظه؛ أو تعرض للعروض والقوافي استحقهما على الخليل، وقال الأخفش عنه أخذت المتدارك واعترف الجوهري بأنه ليس له في هذا الفن مثيل، أو أصل في الطب أصلاً، قال ابن سينا هذا هو القانون المعتبر في الأصول، وأقسم الرازي بمحي الموتى أن بقراط لو سمعه لما صنف الفصول، أو جنح إلى غيره من العلوم الطبيعية فكأنما طبع عليه، أو جذبه بزمام فانقاد ذلك العلم إليه، أو سلك في علوم الهندسة طريقاً لقال إقليدس هذا هو الخط المستقيم، وأعرض ابن الهيثم عن حل الشكوك وولى وهو كظيم، وحمد المؤتمن بن هود عدم إكمال كتابه الاستكمال، وقال عرفت بذلك نفسي وفوق كل ذي علم عليم، أو عرج على علوم الهيئة لاعتراف أبو الريحان البيروني أنه الأعجوبة النادرة وقال ابن أفلح هذا العالم قطب هذه الدائرة؛ أو صرف إلى علم الحساب نظره لقال السموأل بن يحيى، لقد أحيا هذا العز الدارس، وانجلت عن هذا العلم غياهبه حتى لم يبق عمه لعامه ولا غمة على ممارس:
وقد وجدت مكان القول ذا سعة ** فإن وجدت لساناً قائلاً فقل

وسوف أورد هذه الرسالة في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى؛ وكذلك يجري القول فيما يكتب به من إجازات أهل العلوم ونحوها في كل علم، وقد تقدم ذكر شيء مما يجري هذا المجرى في الكلام على النحو ونحوه.

.النوع التاسع عشر: المعرفة بالأحكام السلطانية:

ليعرف كيف يخلص قلمه على حكم الشريعة المطهرة، وما يشترط في كل ولاية من الشروط، فينبه عليها ويقف عندها؛ وما يلزم رب كل وظيفة من أرباب الوظائف وما يندب له، فيورده في وصاياه. وقد أورد أقضي القضاة أبو الحسن علي ابن حبيب الماوردي رحمه الله في الأحكام السلطانية ما فيه مقنع من ذلك. ونحن نورد في هذا الكتاب نبذة من كل باب، مما به يستغني الناظر فيه عن مراجعة غيره.
والذي تكلم عليه الماوردي من الوظائف الأصول: الإمامة، والوزارة، تقليد الإمارة على البلاد، وتقليد الإمارة على الجهاد، والولاية على ضروب المصالح، وولاية القضاء، وولاية المظالم، وولاية النقابة على ذوي الأنساب، والولاية على إقامة الصلوات، والولاية علة الحج، والولاية على الصدقات، وقسم الفيء والغنيمة، ووضع الجزية والخراج، ومعرفة ما تختلف أحكامه من البلاد، وإحياء الموات، واستخراج المياه، والحمى، والأوقاف، وأحكام الإقطاع، وأحكام الديوان، وأحكام الجرائم، وأحكام الحسبة.
وأنا أقتصر من ذلك هنا على ما تفضي إليه حاجة الكاتب من الأحكام، دون ما عداه من الفروع الزائدة على ذلك؛ فإذا عرف حكم كل ولاية من هذه الولايات، وما يوجب توليتها، وما يعتبر في متوليها من الشروط، وما يلزمه من الأمور إذا تولاها، وما ينافي أمورها، ويجانب أحوالها؛ عرف ما يأتي من ذلك وما يذر، فيكون ما ينشئه من البيعات، والعهود، والتقاليد، والتفاويض، والتواقيع، وما يجري مجرى ذلك جارياً منه على السداد، ما شياً على القواعد الشرعية التي من حاد عنها ضل، ومن سلك خلاف طريقها زل. وكذلك المناشير المتعلقة بالإقطاعات، وعقد الجزية والمهادنات والمفاسخات، وما يجري مجرى ذلك من الأمور السلطانية. فإذا عرف حكم كل قضية، وما يجب على الكاتب فيها، وفاها حقها، وآتى بذكر ما يتعلق بها من الشروط، وجرى في وصايا الولايات بما يناسب كل ولاية منها؛ فجرى الأمر في ذلك على السداد، ومشت كتابته فيها على أتم المراد؛ إن كتب بيعة أو عهداً لخليفة، تعرض فيه إلى وجوب القيام بأمر الخلافة، ونصب إمام للناس يقوم بأمرهم وتعرض إلى اجتماع شروط الخلافة في المولى، وأنه أحق بها من غيره. ثم إن كانت بيعة نشأت عن موت خليفة تعرض لذكر الخليفة الميت، وما كان عليه أمره من القيام بأعباء الخلافة، وأنه درج بالوفاة، وأن المولى استحقها من بعده دون غيره. وإن كانت ناشئة عن خلع خليفة تعرض للسبب الموجب لخلعه؛ من الخروج عن سنن الطريق، والعدول عن منهج الحق ونحو ذلك مما يوجب الخلع لتصح ورية الثاني. وإن كان عهداً تعرض فيه إلى عهد الخليفة السابقة إليه بالخلافة، وأنه أصاب في ذلك الغرض، وجرى فيه على سواء الصراط، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى من سائر الولايات على ما سيأتي ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وهذه فقرة من بيعة أنشأتها توضح ما أشرت إليه من ذلك.
فمن ذلك ما قلته فيها مشيراً إلى وجوب القيام بالإمامة: أما بعد، فإن عقد الإمامة لمن يقوم بها من الأمة واجب بالإجماع، مستند لأقوى دليل تنقطع دون نقضه الأطماع، وتنبو عن سماع ما يخالفه الأسماع.
ومن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى اجتماع شروط الخلافة في المولى وهو: وكان فلان أمير المؤمنين، هو الذي جمع شروطها فوفاها، وأحاط منها بصفات الكمال واستوفاها، ورامت به أدنى مراتبها فبلغت أغياها، وتسور معاليها فرقي إلى أعلاها، وأتحد بها فكان صورتها ومعناها.
ومن ذلك ما قلته فيها مشيراً إلى عقد البيعة: فجمع أهل الحل والعقد، المعتبرين للاعتبار والعارفين بالنقد؛ من القضاة والعلماء، وأهل الخير والصلحاء، وأرباب الرأي والنصحاء؛ واستشارهم في ذلك فصوبوه، ولم يروا العدول عنه إلى غيره بوجه من الوجوه.
ومن ذلك ما قلته فيها مشيراً إلى القبول: وقابل عقدها بالقبول بمحضر من القضاة والشهود فلزمت، ومضى حكمها على الصحة فانبر مت، إلى غير ذلك مما ينخرط في هذا من سائر الولايات وغيرها.
قلت: وكما يجب عليه معرفة الأحكام السلطانية، يتعين عليه معرفة ما عدا ذلك من الأمور الصناعية التي ينتظم أصحابها في سلك الولايات كالهندسة ونحوها، وسيأتي التنفيه فيما يجب على كل واحد من أرباب الولايات عند ذكر ولاية كل منهم في موضعها إن شاء الله تعالى.